الثلاثاء، 1 يناير 2008

إغتيال بي نظير بوتو..... خطوه أمريكيه

بلا شك أن خبر مقتل بي نظير بوتو في أواخر ديسمبر من العام الماضي خبر مؤسف لمن يعرفها أو لا يعرفها ولمن يتفق أو يختلف معها
وأنا شخصياً كنت من أكثر المؤيدين لبي نظير بوتو منذ توليها زعامة حزب الشعب الباكستاني عقب شنق والدها ذو الفقار علي بوتو علي يد الجنرال ضياء الحق في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ومروراً بتوليها الحكومه وعزلها ثم توليها ثانية ثم عزلها ومحاكمتها وإستمرارها بالمنفي لمدة ثماني سنوات متنقله بين الولايات المتحده الأمريكي والإمارت العربيه المتحده
وبي نظير بوتو سياسيه معارضه بشده لنظام الحكم العسكري في باكستان والذي قاده برفيز مشرّف بعد الإنقلاب علي نوّاز شريف في 1999
وهي إن جاز التعبير إصلاحيه معتدله أو حتي علمانيه كما يقول البعض لكنها كانت تمتلك مشروعاً سياسياً مهماً يحظي بقبول لدي أوساط الشعب الباكستاني
ورغم أن رجوعها اتي عبر صفقه مع برفيز مشرف عفي عنها بموجبها وعادت لتتقاسم السلطه في مقابل أن يتخلي عن قيادة الجيش ويصبح رئيساً مدنياً وحسب إلا ان هناك من يتهمون النظام الذي هو يعني برفيز مشرف بأنه وحده وراء عملية الإغتيال هذه
ولكن كل الشواهد تؤكد أن برفيز مشرّف ليس له أي علاقه بالموضوع وأنه لا يجرؤ علي خطوه كهذه منفرداً وانه إما أن هذا التدبير تدبير أمريكي منفرد أو تدبير أمريكي وتنفيذ باكستاني
ولمن لا يعرف فإن بي نظير بوتو هي السياسيه الوحيده في العالم التي تمتلك شبكة علاقات واسعه جداً وأخطبوطيه في أوساط السياسه الأمريكيه وجميع تحركاتها تتم بوفاق وإتفاق مع مستويات
سياسيه أمريكيه عليا وأنها صديقه حميمه جداً للولايات المتحده الأمريكيه وأنشأت القاعده علي أراضي باكستان أثناء توليها الوزاره في مرحلتها الثانيه لمحاربة روسيا لصالح الولايات المتحده الأمريكيه
أو لنقل أن المخابرات العسكريه الباكستانيه قد أنشات القاعده علي أرضها وهو ما يعني أن بوتو نفسها إشتركت في هذا لأنها وإن كان الجيش خلعها في المره الأولي فإنه ساندها في المره الثانيه واصبحت تجظي بعلاقات جيده معه وهو المؤسسه الأهم داخل باكستان
ومشرّف الذي يواجه إضطرابات ومعارضات داخليه لم يرض بخطوة الوفاق التي أتت عبر رعايه ووساطه وأوامر امريكيه إلا لتهدئة الشارع الباكستاني ومحاولة الخروج من المأزق السياسي الذي تضخم وإستفحل وفاق كل قدرات مشرّف والنظام الباكستاني بأكمله بأجنحته الأمنيه والعسكريه
ورأي مشرّف أن خطوة الوفاق مع بي نظير بوتو ونوّاز شريف سوف تحقق له مصلحه مزدوجه لأن لكليهما شعبيه واسعه في باكستان
وسوف يتفرغون للتطاحن والمعارك الحزبيه والإنتخابيه ويصرفون أنظار الشعب الباكستاني في هذا الإتجاه مما يمنحه الفسحه الكافيه من الوقت لإعادة ترتيب أوراقه وإيجاد حلول تخرجه من مأزق إنتهاء مستقبله السياسي والعسكري الذي كان قد بدأ يلوح في الأفق بقوه
لا أعتقد مطلقاً أن لبرفيز مشرّف يد في إغتيال بوتو لأن مصلحته الأكبر مع بقاءها لا مع إختفاءها ولو مرحلياً علي الأقل
تفاصيل عملية الإغتيال تنم عن هوية منفذ العمليه لكن يظل راعي العمليه محل خلاف وتأويل
فهذه الطريق في التصفيه الجسديه عبر الإقتحام والتفخيخ البشري هي بالأساس طريقة إسلاميين سواء كانوا قاعده أو لم يكونوا أو كانوا من التنظيمات الإسلاميه المحليه المتشدده
فلا يوجد علي الأرض إنسان من الممكن أن يصل غلي مرحلة الإقتناع الكامل بأن يصبح لغماً إلا إنسان يمر له هذا الأمر عبر أنفاق العقيده والثولبت الإيمانيه
انا لا أتهم الإسلام والإسلاميين لأنني بالأساس مسلم وأعتقد يقيناً في صحة هذا الدين بعيداً عن أي إعتبارات اخري من القبول والحوار واالتسامح
ولكن الميراث الفقهي والتفسيري داخل المنظومه الإسلاميه
والمنظومه الإسلاميه فقط من بين جميع الأديان هو الذي يقوم بتسويق الموت قبل الحياه ويلقي بكل أوراق اللعب والرهان في ملعب الآخره أولاً علي عكس جميع الأديان السماويه والروحيه والماديّه حتي
وبالتالي فإن منفذ العمليه بشكل قاطع هو أحد أعضاء جماعه إسلاميه متشدده تعمل داخل باكستان
ربما تكون القاعده بينهم لأن الجماعات العامله في الوقت الراهن في باكستان كثيره جداً وربما تستعصي علي الحصر
وفي هذا السياق تحديداً لا يصح أن نتبع الأسلوب المتعارف عليه في التفسير أخذاً بقاعدة المصلحه في تحديد الجاني
لأن كل الأطراف المتهمه ليست صاحبة مصلحه آنيه أو قريبه ولأنه ربما تكون الجهه المنفذه لها مصلحه بعيده يصعب إستشرافها والتنبئ بها
وهذه القاعده نفسها تخرج القاعده ومشرّف من دائرة الإتهامات لأن القاعده ليس لها مصلحه في إختفاء بوتو لأن التركيبه الباكستانيه حالياً بالأساس تتحرك نحو التدين المبالغ فيه عبر منظومه طويله من المدارس الدينيه والمساجد والأفكار والمعتقدات ولم يستطع مشرّف ونظامه ان يحولوا دفة هذا التحرك وبالتالي فلا خوف من بوتو حتي وإن أصبحت رئيسة الحكومه
كذلك فإن مشرّف كما أسلفت مصلحته مع بوتون ونوّاز شريف لا مع الجماعات التي أرهقته وأرهقت الجيش في المسجد الأحمر وغيرها من المواقع
وربما تكون عملية الإغتيال بالأساس عمليه فرديه أي علي مستوي فرد أو مجموعه متحمسه من الشباب المحليين في مدينة روالبندي

لأن بوتو نفسها لم تستهدف قبل ذلك منذ عودتها بإستثناء اليوم الأول وأثناء قدومها من المطار وهي عمليه كانت متوقعه لدي بوتو نفسها ورغم أنها كانت تفجيرات عنيفه إلا
انهااودت بحياة المئات دون بوتو ويحتمل أن تكون هذه بالتحديد رعاية أو تدبير النظام كتحذير مبدأي لبوتو التي قضت بعد ذلك أكثر من شهرين في جولات ولقاءات جماهيريه موسعه في مدن عديده دون ادني خوف أو ذعر
وبالجري وراء كل الخيوط خيطاً خيطاً فغننا لن نجد مستفيداً واحداً بنظرية المصلحه المعمول بها
كما أن الحديث الساذج من قبل النظام عن رصد مكالمه هاتفيه تؤكد ضلوع القاعده في هذه العمليه هي من قبيل الإستخفاف بعقول الناس ولكنها تهدف بالأساس إلي عدة أمور منها أن يغلق الملف وبداخله إسم الجاني حتي ولو لم يكن تم القبض عليه لأن الملف لن يغلق بدون متهم واضح ومعروف والأفضل أن يكون متهماً بعيداً عن متناول يد الأمن حتي لا تبدأ الأمور في التصاعد تجاه الثأر والإنتقام وما إلي ذلك
وثانياً فإنها خطوه مهمه علي طريق تشويه القاعده وفتح باب الخوف من الإرهاب لدي شعوب العالم وتحديداً الشعب الأمريكي الذي يقف علي عتبات إنتخابات رئاسيه للحزب الجمهوري الحاكم فيها فرص ضئيله وعلي بوش أن يهيئ مدخلاً مناسباً لحزبه ليكسب الشعب وهو ما تجلي عبر إستغلال موت بوتو والقاعده وبن لادن في كلمات بوش بل وأغلب المرشحين لخوض سباق الرئاسه

ومن هذا المنطلق وبالمنطق ذاته أري أن أكبر مستفيد من إغتيال بوتو هو النظام الأمريكي
الذي كسب جوله وقطع عدة أشواط بهذا الحادث
فرصه للحزب الجمهوري وتجديد لشرعية حروبه في العراق وأفغانستان وغيرهما
وضع برفيز مشرّف تحت الضغط الكامل وتحريك باكستان في إتجاهات تخدمها بشكل أكبر وبمنحنيات لم يكن ليقبل بها مشرّف قبل ذلك أو لنقل الشعب الذي كان يضغط علي مشرّف
والأهم ان هذا خطوه علي طريق إعادة رسم خريطة العالم الذي تعمل فيه أمريكا منذا إنتهاء الحرب العالميه الثانيه وعبر خطة مارشال لإعادة بناء أوربا والحرب البارده وحلف الناتو وحرب العراق وأفغانستان وغيرها وغيرها
والخطوه القادمه هي تجريد باكستان من قوتها النوويه التي إستوفت أغراضها في صراعها مع الهند لسنوات طويله حجمت الهند إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً

وفي السياسه العالميه هناك السيناريوهات المستقبليه ولها طريقتين لإعدادها
إما الذهاب للمستقبل
أو العوده من المستقبل


والذهاب للمستقبل
هو إختيار الأحد=اث والخطوات التي يبغونها ثم تحليلها وتحديد مثار الوقائع بدقه لمعرفة إلي اين يصل وإعداد الخطط والإستراتيجيات التي تحقق أكبر مكاسب من هذا المستقبل المتوقع وتتلافي إحتمالات الخسائر



والعوده من المستقبل
هو إختيار المستقبل او الحدث الذي يرومون تحقيقه ثم التطرق إلي الأحداث المنتجه له بشكل عكسي لنصل إلي ما يجب عمله بخطوات تصاعديه محدده



وفي حادثة إغتيال بوتو وعبر النظر بسيناريو الذهاب أو العوده فإن الهدف الذي أراه واضحاً وجلياً هو البرنامج النووي الباكستاني الذي أصبح من أهم البرامج النوويه المكتمله والخطيره نظراً لإعتبارات سياسيه تتصل بمنطقة نزاع بين الولايات المتحده والصين وروسيا بسياقات ومناطق نفوذ مختلفه
وكذلك إعتبارات جغرافيه تتعلق بمدي قدرتها علي تهديد المصالح الأمريكيه في اوربا الغربيه والشرقيه وفي الولايات الأمريكيه الساحليه
لأن المد الإسلامي في باكستان متصاعد وسوف يحدث هناك ما حدث في إيران في غضون سنوات قليله قادمه
وعليه فالإستنتاج الأول والأقوي
هو أن إغتيال بوتو تم بصفقه أمريكيه باكستانيه او هو عمل أمريكي بتواطؤ باكستاني علي أقل تقدير
وقد يكون من المهم أن ننظر في كل الإتجاهات وأن نستطلع كل الآراء فهناك من يقولون أن بوتو بما أنها الجناح الأكثر إعتدالاً ومعرفه بالثقافه الأمريكيه كانت الحليف الأكبر والأهم لأمريكا في باكستان وأن أمريكا هي الخاسر الأكبر من جرّاء مقتل بوتو
لكننا لابد ان نعي نقطه مهمه وهي أن السياسه الأمريكيه لا تتحرك علي ساق واحده
بما يعني أن هناك مراكز صنع قرار متعدده لا يقع كثير منها تحت سيطرة دوائر التخطيط الرسميه أو المركزيه ولنذكر جميعنا إغتيال الرئيس جون كيندي الذي ثار الكثير حوله وإمتدت أذرع كثيره وأصابع جمّه للإشاره ناحية المخابرات المركزيه
وكذلك فهناك في المدي القريب قضيّة إتلاف المخابرات المركزيه لأشرطه إستجوابات لمعتقلي جوانتانامو بعيداً عن التخطيط الرسمي ودائماً هناك نزاع بين الرئيس ومساعديه وبين الأجهزه الأمنيه الكبري مثل السي آي إيه
وهو ما يعطينا صوره ولو ضئيله إلا أنها مهمه فيما أعتقد بالنسبه لقضية بوتو وربما تحمل التفسير الأكثر أهميه
ولتنعم أمريكا بمخططاتها التي وإن كانت تتحقق في باكستان إلا أن تأثيرها علينا لا يقل قوه وأهميه لأن تصفية قوه إسلاميه مهمه يعني إحتمال تفرغها لنا
والدور آت لا محاله

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

تمام